2008-08-10

اللبأ

بسم الله الرحمن الرحيم

معجزة ربانية لكل رضيع.. يخرج إلى الدنيا ليرى أن الله سبحانه قد رعاه.. داخل الرحم وخارجه.. لبن في ثدي أمه أول ما يفتح عليه عينيه.. يغذيه ويحميه.
وما زالت الأيام تكشف كل يوم عن فائدة جديدة من فوائد لبن الأم.. توضح ما في هذا السائل الأبيض الرباني من معجزات, وآخر هذه الأبحاث ما تناقلته وكالات الأنباء أواخر شهر يوليو الماضي في BBC ، NBC ، ABC وغيرها عن دور لبن الأم في حمايتها من سرطان الثدي, وليس ذلك هو أصل الخبر فهذه المعلومة ليست بالجديدة ولكن الجديد أن المرأة في البلاد المتقدمة ستقلل من مخاطر إصابتها بالمرض إلى 5% إذا أرضعت وليدها 6 أشهر حتى لو كان هناك تاريخ قوي للمرض في العائلة... أي أن لبن الأم, كما يقول التقرير أهم أحيانا من العامل الوراثي في سرطان الثدي.
ويقول الخبراء: إن هذه النتائج تفسر سر ارتفاع نسب تزايد المرض في الدول المتقدمة في القرن الأخير عنها في الدول الفقيرة (6.3%من النساء في الدول المتقدمة تتعرض للسرطان عند سن 70 مقابل 2.7% في البلاد الفقيرة) حيث تحرص النساء في هذه الدول على إرضاع أطفالهن لمدة لا تقل عن سنتين ويختلفون في طريقة حمل أطفالهم وتدليلهم عن المرأة الغربية. كما أن المرأة في الدول الفقيرة والنامية تتزوج في سن مبكرة (18 ، 19 سنة) وتنجب أطفالا عديدين، ولو أن المرأة في البلاد المتقدمة زاد عدد أطفالها إلى ستة أطفال مثلا فستقلل خطورة الإصابة بالمرض إلى 4.7% ولو أنها أرضعت كل طفل لمدة سنتين فستقل النسبة ثانية من 4.7% إلى 2.7 %.

لكل مرحلة لبنها

الثدي هو غدة دهنية تحتوى على أنسجة ليفية، يربطها بجدار الصدر رباط يسمى برباط كوبر cooper’s ligament واللبن يتكون في أنسجة الغدد داخل الثدي, والتي تمر بعدة تغيرات أثناء الحمل وبعد الولادة تحت تأثيرات هرمونات الجسم لإنتاج اللبن للطفل الرضيع.
بعد الولادة يبدو اللبن مسكرا ورفيعا وهو مناسب لروي عطش الطفل في هذه المرحلة، والذي لا يحتاج إلى الكثير من الطعام. يسمى اللبن في هذه الفترة باللبأ أو colostrum والذي يبدو أن مهمته الرئيسية هي خدمة جهاز المناعة لحماية الطفل من العدوى.. وحصانة الطفل ضد الحساسية, وكلما تقدم سن الطفل يصبح اللبن أكثر سمكاً وغنيا بالمواد الدهنية ليوازن حاجة الطفل في كل مرحلة, كما أن درجة حرارة لبن الأم دائماً في انضباط صيفاً أو شتاء.
المكونات المتميزة للبن الأم تعطي للطفل غذاء متوازناً لا يحتاج معه إلى أي تعويض طوال الستة أشهر الأولى (في الحالات الطبيعية) فهو مليء بالبروتينات والسكريات والموالح والدهون (الأحماض الدهنية) الماء والأحماض الأمينية، المعادن. وكلها نسب متوازنة تتغير من وقت لآخر مع كل مرحلة للنمو.. كما أنها تتغير من ثدي إلى ثدي للأم الواحدة، وتتغير بين امرأة وأخرى. بل خلال الوجبة الواحدة نفسها. وخلايا اللبن مشابهة جداً لخلايا الدم مما يجعله "سائل حي" يحتوي على 100 مكون لا يمكن للألبان الصناعية توفيرها.


وسائل حماية.. يصعب اختراقها
لبن الأم جدار واقٍ للطفل ضد العديد من المخاطر التي تهدده في مراحل عمره الأولى وأهم وسائل الحماية وحوائط الصد في هذا الجدار:
- الوقاية من العديد من الأمراض: فوجود الأجسام المضادة وخلايا المناعة مثل الخلايا الملتهمة Macrophage القاتلة للبكتيريا والفطريات والفيروسات التي تشكل 80% من خلايا لبن الأم, تحمي الطفل من العديد من الأمراض بداية من اللبأ colostrums كما ذكرنا إلى اللبن ذاته.. مثل الأنيميا، نقص الفيتامينات Vit deficiency ، نقص الكالسيومCa deficiency ، الالتهاب السحائي ، الالتهاب الرئوي ، التهابات القناة البولية ، الإكزيميا ، التسمم ، ضيق التنفس ، الحصبة الألمانية ، الأنفلونزا.. ومن حكمة الله سبحانه أن الأم تنتج في لبنها أجساما مضادة لأي مرض موجود في البيئة المحيطة بها لتحمي طفلها منه.

- العناية بالجهاز الهضمي: فبما أن الطفل في مراحله الأولى معرض للعديد من الأمراض البكتيرية فإن لبن الأم فيه عناصر مثبطة لنمو البكتيريا الضارة وعناصر أخرى مشجعة للبكتيريا النافعة مثل lactobacillus لمساعدته في هضم غذائه مع إنزيمات الهضم الأخرى الموجودة. بروتينيات اللبن في حد ذاتها سهلة الهضم.. فبالتالي تقلل من أمراض الإمساك والإسهال والتقلصات (وجدت دراسات حديثة أن الأطفال الذين يرضعون من لبن أمهاتهم أقل في الإصابة بالإمساك وحفاظاتهم رائحتها أفضل ممن يتناولون اللبن الصناعي).

- الحماية ضد أنواع الحساسية: اللبن الصناعي مصنوع أصلا من لبن بقري والذي يدخل في تكوينه عناصر كثيرة مسببة للحساسية.. فطفل اللبن الصناعي معرض للحساسية منذ الشهر الأول أو الثاني.. بينما لبن الأم يقلل الإصابة بحساسية الجلد، وحساسية الأنف، والإسهال والقيء الناتجين عن الحساسية وإن كان لا يمنعها بالكامل, ومادة اللبأ أيضا بها عناصر تساعد في نضوج حاجز الأمعاء، ومن ثم تحمي الطفل من الحساسية ضد أطعمة عديدة فيما بعد, كما أن قطرات من لبن الأم في العين تحميها من الإصابة بالتهابات الملتحمة.

- تكوين الدماغ والرؤية vision: فالأحماض الدهنية تلعب دوراً رئيسياً فيها (خرجت دراسة هولندية على اختبارات الذكاء أجريت على 3.253 شاب تحت العشرين وفوق العشرين أن الشباب الذين رضعوا لبن أمهاتهم في الصغر حصلوا على نتائج أعلى من الآخرين, أرجعت الدراسة ذلك إلى العناصر الغذائية التي تساعد على تطور الدماغ والقرب النفسي والعضوي أثناء الرضاعة.

- توطيد العلاقة بين الطفل وأمه: فعند الولادة يرى الطفل أمامه بمقدار 12 إلى 15 بوصة.. وهي المسافة بين الطفل ووجه أمه، فالرضاعة تقوي الرابطة بين الأم وطفلها دون مجهود، كما أنها تشعره بالحنان والاطمئنان فيخرج طفلا سويا نفسياً، وقد أثبتت دراسات حديثة أن الرُّضَّع سن أسبوع يفضلون رائحة لبن أمهاتهم ويديرون وجوههم بعيداً عن لبن الأخريات.

- لبن الأم يقلل من مخاطر موت الرضيع المفاجئ, كما أن الكائنات الدقيقة الضارة التي تدخل إلى الجسم عبر جلد الثدي تمتزج باللبن فلا تسبب الأمراض, وقد أثبتت إحدى الدراسات أن أطفال الرضعة الطبيعية في الـ 4 شهور الأولى أقل عرضة من أطفال اللبن الصناعي للإصابة بأمراض الأذن.

- كمية أقل من لبن الأم تغني بإشباع الطفل وهذا يلعب دوراً هاماً في وزن الطفل خلال الحياة.

أنت أيضاً مستفيدة..
ليس الطفل وحده هو المستفيد من الرضاعة الطبيعية فجدار اللبن الواقي يحمي الأم كما يحمي الطفل, فالإفرازات الهرمونية التي تفرز مع الرضاعة تساعد على عودة الرحم إلى مكانه الطبيعي وتقلل من دم النفاس. كما تقي الأم من الأورام السرطانية مثل سرطان الثدي (كما ذكرنا) وسرطان المبايض والرحم.
تقلل الرضاعة الطبيعية من مخاطر البدانة بعد الولادة فالأمهات اللاتي يرضعن لمدة 3 شهور على الأقل يفقدن وزنا أكثر من الأخريات, كما تقل لديهن حدة ومدة اكتئاب ما بعد الولادة, وتبطئ الرضاعة من عملية ضعف العظام, وتساعد في تأخير سن اليأس.
وينصح الأطباء الأم المرضع عدة نصائح من أهمها إرضاع الطفل وقتما يريد, فمجرد مصه للبن يساعد على استمرار إفرازه, وعليها أن تتابع مص الطفل من الحلمة وما حولها وليس من الحلمة فقط. وربما تشتكي أمهات بأن ابنها لا يتناول كميات اللبن المناسبة، وأحدث طريقة للتأكد من أخذ الطفل كفايته هو متابعة مرات التبول لمعرفة ذلك بمشورة الطبيب, وعن الشعار الذي يرفعه الأطباء لهذه الفترة من حياة الأم "الأكل السليم والراحة".
وتتعالى الآن في الغرب صيحات لم تكن نسمعها كثيراً من قبل تدعو للعودة إلى إرضاع الأطفال طبيعياً خاصة في إنجلترا التي تسجل أقل نسبة مرضعات بين الدول الأوروبية (27% فقط من الأمهات يكملن الرضاعة بعد الشهور الأولى), بل يتدخلون في طرق حمل الوليد أثناء الرضاعة والاقتراب النفسي منه وينظرون بعين الرضا إلى الأم التي ترضع طفلها لمدة سنتين وتهدهده في أحضانها.

منقول للفائدة